الجمعة، 26 فبراير 2010
أولاد شلتنا (5) - ميرغني
رمضان قائظ كان ذاك الذى قررت إدارة جامعة الخرطوم بدء إجراءات التسجيل لطلاب السنة الأولى فيه . لم أصدق أن التسجيل إنتهى وفررت إلى الدامر لأكمل صيام الشهر تحت رعاية الحاجة ، رغم علمى بان الدراسة ستبدأ فى ذات الشهر.
جئت بعد العيد أجرجر أرجلى لأجد نفسى ( مسطحا ) تماما لا أعرف الفرق بين كلمتى ( زولولجى ) و ( وبوتانى ) ، ولا أعرف موقعى فى قروبات اللابات والذى منه . وزاد تعاستى ، شراسة وهلع أكاديمى لمن صادفتهم من زملاء وتعليق برلومة أعرفها قالت لى ( أين كنت ؟ ) فلما أجبت ( فى الدامر ) أشاحت بوجهها عنى قائلة ( كير لس ) !
ضاقت الدنيا فى وجهى على سعتها وإنتابتنى أفكار سوداوية عن الرجوع للدامر وترك الجامعة . وبينما أنا فى هذه الحالة مارا من أمام البغدادى ( داكا ) للمحاضرة لمحت عاصم – لأول مرة - وقد جلس فى بنش - بذات الطريقة في الصورة أعلاه - أمام كافتريا علوم يقهقه بأعلى صوته وهو يحكى نكتة ما لمحمد على وقد ( دكا ) المحاضرة مثلى شر ( دكة ).
وقد أدركت لأول وهلة أن هذا الضاحك غير المكترث سيكون ( زولى ). وبالفعل ، هدءا من روعى بان ( العلم ملحوق ) وأن الموضوع ليس بالسوء الذى أتخيله.
عاصم صار من بعد فردا أساسيا فى الشلة وممثلنا فى ( الخرطوم ) ، رغم مكوثه شبه الدائم معنا فى الداخلية . طيب القلب وأبيضه ، نقى السريرة ودائم الإبتسامة ضارب بهموم الدنيا عرض الحائط .
وهو رجل الشدائد والمهمات الصعبة ، وأحد أعضاء حركة الطلاب المحايدين القلائل من ( الخناشير ).
ولا ندرى ماذا كان يفعل عاصم بالضبط فى حركة الطلاب المحايدين ، فهو بالتأكيد ليس ( ركانيا ) أو فى المكتب القيادى إذا كان لتلك الحركة واحد . جرب مرة ال ( كولنق ) فترصدنا له تحت ما نسميه نحن بالراكوبة ويسميه ( التانين ) العريشة أو ( الشلتر ) وأعترضنا سبيله فأنفجر ضاحكا وولى هاربا وترك ال ( كولنق ) ليومنا هذا .
لا أصدق أحيانا أن عاصم فعلا كان ( أنصار سنة ) يوما ، فشخصيته اللاجادة لا تناسب أبدا أولئك الناس ( الجادين جدا ) كما لا تناسب دراسة الطب المغرقة فى الجفاف .
فمكان عاصم ، كجل أولا د شلتنا ، ليس كلية الطب . فأغلبنا دخل كلية الطب لأنه شاطر وليس عن رغبة جامحة فى إتعاس حياته .أعتقد جازما مثلا أن مكانى وعبدالله العلوم الإنسانية فهى تناسبنا أكثر ، وعزو ربما كان سيكون محاميا شاطرا ! وعاصم كذلك ، فهو حساس بطبعه وهو شئ لا يدركه إلا من يقترب منه ، والناس شديدو الحساسية لا تناسبهم دراسة الطب و الهندسة وغيرها من العلوم الطبيعية.
لعاصم شرف جرجرة أقدام الشلة للمحاكم لأول و( آخر ! ) مرة .جاء ذات يوم إلى الكلية مضطربا يبحث عن شهود من الزملاء لإثبات إنه كان فى الكلية فى يوم معين سماه . وزاد من صعوبة مهمته أنه لم يكن بطبيعة الحال داخل قاعة البغدادى فى ذاك اليوم عكس معظم أولاد الدفعة . كان قد إتهم من جار له بينهما خصام قديم أنه قد نعته بلفظ ( عنصرى ) ، ودرأ عاصم عن نفسه التهمة بأنه كطالب طب مجتهد كان فى الحرم الجامعى ينهل العلم فى ذات اليوم والساعة.
ملأ الشهود العدول عربة سامى جلال ال ( كارينا ) ويمموا صوب المحكمة ليقوا صاحبنا شر الجلد والسجن ، ولما حل الإشكال وديا رجعوا وقد كفاهم الله شر القتال . وقد وثق جندى ( عبدالله ) لهذه المغامرة فى مقال بديع نشر فى ( لافتات ).
لعاصم صولات وجولات – ليست كما لراؤول - فى عالم الجكس . فهو رهيف القلب ( بكاء ) فى صمت أحيانا وفى صخب أحيانا كثيرة .وقد أنبأنى عبدالله فى آخر إتصال عندما سالته عن أخبار عاصم أن عاصم قد أصابه الإحباط العاطفى ووصل لقناعة مفادها أن البنات لا يحببنه .وتلك لعمرى حيلة إتخذها ليهرب من مواجهة ما قد اصاب جل أولاد شلتنا مما أسميته ( الجبن العاطفى ) . فعاصم وجيه لو حلق ذقنه الشعثاء ووضع فى رأسه بعضا مما يضعه راؤول من ( لغاويس ) ، كما إنه ( حناك ) وقد كانت له مجموعة من بنات حوله فى كل الحقب لم يمتلك الشجاعة ليفتح فمه بكلمة لإحداهن .
فى إحدى الليالى إصطحبت ( زيكو ) وعاصم وقررنا تناول العشاء فى العاملين . فى الطريق صادفنا ( الحلبية ) وهى إحدى بنات عاصم اللائى لم نجد لعلاقته بهن تعريفا واضحا . وقف عاصم معها واشار إلينا أن نواصل وسيلحقنا إلى العاملين .
طلبنا الكثير من الفول والطعمية والبيض واضعين فى حسابنا عاصم الذى لم يأت ابدا. ثم أنه إتصل بعد حين معلنا أنه ليس بمنضم إلينا.
غضبت منه وعنفته من بعد أنه ( باعنا ) والفول ببنت . غير إنى راجعت نفسى ، فصحبة تلك الحسناء كانت لعاصم بالتأكيد خير من مجالستنا أنا وزيكو وفول العاملين . وقد قال أهلنا ( ونسة الضكير للضكير النوم أخير ).
ومع ذلك فعاصم ( أخو أخوان ) وكريم كرم العوارة الذى يميز الجعليين ، وزول حارة. لا أذكر رمضانا لم نتناول فيه إفطارا فى بيت عاصم السابق بالحلة الجديدة واللاحق بأركويت . نسعد هنالك بتناول الطعام الشهى وونسة عمنا ( أبو عاصم ) وقد طعمنا هناك فى غير رمضان مرات عديدة.
بعد التخرج غرق عاصم فى معضلة التخصص المناسب له . فهو مثلى لا يحب ضخام الكتب . فى إحدى التجليات قرر فجأه أنه قد ( وجدها ) أخيرا فالتخصص المناسب له لابد وأنه الطب الباطنى ، ومن ثم دخل ذات ليلة ممسكا ب( كومار ) منضما إلى بعض الزملاء ممن يحضرون للزمالة فى قاعة أنيس . وماهى إلا نصف ساعة حتى جاءنا مندفعا من القاعة كالسهم وجلس فى بنشات أنيس ناعتا من يدرسون كتب الباطنية الضخمة بأنهم ( ولا شك مجانين ) !
إلا إن عبدالله الجنيد قد حل مشكلة عاصم بأن ( جره ) جرا إلى ما يسمونه ( بالروادى ) أو الأشعة . لم يكن عاصم جادا كعادته وهو يجلس لإمتحان ( السلكشن ) ، وعندما إجتازه بذل عبدالله جهدا مضنيا ليقنع عاصم بالإنخراط فى التدريب ومن ثم الجلوس لإمتحان الجزء الأول الذى – بنفس عدم الجدية – إجتازه أيضا !
وكنت دائما أقول أن عاصم بعد أن يصبح أخصائيا لابد له من إقامة تمثال لعبد الله !
لعاصم – نائب إختصاصى الأشعة الكبير – سيارة فارهة الآن ووضعا إجتماعيا مميزا . غير أن ذلك كله لم يغريه بكسر حاجز ( الجبن العاطفى ) أو التوقف عن الشكوى لعبدالله عن عدم ( حب البنات له ) !
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.