الأحد، 30 يناير 2011
الكلية (3)- العاملين و الأساتذة
والمقصود هنا الأماكن لا الشخوص .
تناول الطعام فى الكلية يتجاوز مجرد كونه إشباع لغريزة الجوع . للأكل فى الكلية طقوسا مقدسة تبدأ بالتنادى ولا تنتهى بأكل الخشاف وشرب الشاى .
كنت برلوما فى السنة الأولى عندما أخذنى د.( أحمد حسبو) ل(أبو العباس) ناصحا لى أن أعض عليه بالنواجذ وأن أبقى على (عشرته الكرام) عشرة. إستغللت معرفتى المبكرة نوعا ب(أبو العباس) لأسجل نقطة على الشلة وأستولى على تخصص (عزو) فى إطعامنا لوهلة لم تدم طويلا آخذا إياهم فى أول أيامنا بالسنة الثانية إلى هناك. وعلى مر أيامنا فى الكلية كان (أبو العباس) – رغم تعدد الخيارات بعد زمن – فوالنا المفضل نختلف إليه صباحا مرات قلية إذا ما كان فى الوقت متسع وأحيانا كثيرة مساءا . إلتقينا د/ مصطفى إدريس مرة فى ذات عودة من (أبو العباس) ، فأحسن بنا الظن سائلا (جايين من الحوادث ؟) وعندما لاحظ إبتساماتنا الماكرة ضحك مردفا : (ولا حوادث (أبو العباس) ! )
وقد كان (أبو العباس) هناك ماكانت الكلية أو يكاد . ذكرته لخالتى التى تخرجت فى أوائل الثمانينات فتذكرته مع أشياء عدة كبوستة الكلية وجدول سنة ثانية الذى لم يتغير من عقود.
وقد وقع فى ظننا دائما أن الحناكيش قد حرموا أنفسهم أيما حرمان بمجافاتهم للفول فى مواقعه المحتفلة وتفضيلهم للشاورمة وغيرها من (الجغاور) – كلمة كان يستخدمها جدى البدرى لوصف مالا يروقه من أكل.
وقد سألت أحدهم ذات مرة إن كان يعرف (أبو العباس) فأجاب بثقة أن (أيوة ، بنجيب منو السندوتشات للرحلات ).
وقد (ضبطت) ذات مساء حنكوشتين من أسنان (رفقيتاها لآية الفلسطينية) وقد وقفتا على بعد متر من (أبو العباس) وقد بدا عليهما التردد ، وكنت قد فرغت والشلة لتونا من إهدار قدر لا بأس به من ثروة البلاد من البقوليات والبيض الخالى من (الديوكسين) ، فسألتهما فى وجل ظانا أنهما قطعا قد ضلتا الطريق : (إنتو متأكدين إنكم دايرين تاكلو من هنا ؟) ، فأجابتا انهما قد أتين لشراء سندوتشات (من باب التجربة طبعا ، كالذهاب إلى سفارى أفريقيا لرؤية الأسود) ، فساعدتهما فى مهمتهما الإنتحارية ممنيا نفسى بسبق صحفى على (لافتات).
إلا إن بريق (أبو العباس) لدينا قد خبا – خاصة فى الصباح – بعد إكتشافنا للسكة حديد ، نقطع إليها شارع الزلط المقابل لأسنان ، ننعم بفولها المزبوط بطبقة الدمعة الظاهرة على أعلاه وشايها الأسطورى .عيبها الوحيد صعوبة إرتياد المكان المكشوف فى الشتاء . وقد شهد مأمون كيف أن رياح أمشير القوية قد عصفت مرة بصحن أحد أعمامك الملئ بالعدس من أمامه بعيدا تاركة أياه مندهشا والعدس قد (لحق اللسان ما لحق المصران).
ولم تلبث أقدامنا بعد هنيهة أن قادتنا إلى جنة عمك حسن أو العاملين . وعشقك لهذه العاملين سوف لن ينتهى أبدا بالتخرج أو غيره ، ستطوف بالآفاق وتعود لتقنع من الغنيمة بخشاف العاملين .ولا زال من بقى من الشلة هناك وفيا للعاملين وخشافها.
وقد عرفنا عمك حسن وصادقنا فصارت عندنا لديه حظوة ومكانة . وعندما كتبت فى ذات مقال فى لافتات بعد ذكر(الذى منه) من لعن الأوضاع وسنسفيل الحكومة أنه ما زال هناك بعض من جمال فى تلك العتمة وهى أن (خشاف العاملين مازال لذيذا) ، ولعل أن فاعل خير ما نقلها إليه فازدادت حظوتنا لديه وإزدادت معها (كمش) طلبات الخشاف خاصتنا.
قال لى برلوم مرة وقد رآنى أشترى ساندوتش فول من العاملين سحرا وكنت أيامها طبيبا : (معقولة بس ؟ يعنى أنا بعد كم سنة من التخرج حأجى أقيف هنا أشترى سانوتش فول ؟) ولعل البرلوم قد ظن ظنا آثما أن الناس بعد التخرج تنأى بهم حياة الدعة والراحة والراتب الجزيل عن أكل الفول.
ولعل من حق (التانين) علينا هنا أن نذكر مطاعمهم ايضا . ولن يعلم معظم البرالمة أن كافتريا طب هذه قد تغيرت تغيرا هائلا فى فترة وجيزة مع الغزو (الحنكوشى) للكلية . فى سابق الأيام لم تكن هناك ثلاجة عرض واحدة ، وكان (البارد) يوضع فى صندوق صفيح قمئ ويطمر بالثلج (السايح) ، فإذا ما طلبت (بيبسى) أدخل عمك (صديق) يده وصال بها وجال داخل الصندوق ليظفر لك ب(ميرندا) .وإذا طلبت عصير منقة ملأ لك عمك نصف الكوب ثلجا . وقد إستجرأ مأمون مرة فطلب المنقة من غير ثلج فقال له عمك (فى لحمة ببيعوها من غير عضام ؟!).
الغريبة أن هذه الكافتريا البائسة بسندوتشات الطعمية والجبن سيئة الذكر كانت خيارا للبعض من غير الفوليين وبطبيعة الحال (للبنات).أما من كرهوا الكافتريا والفول من (أولاد الراحات) فقد إتخذوا من كافتريا (الأساتذة) مطعما ومخلطا ، وربما لجأ بعضهم إلى بعض كافتريات شارع القصر .
ومرتادو كافتريا الأساتذة – كما قال الطيب مصطفى – لا يعلمون شيئا عن كافتريا (العاملين) والعكس صحيح. فالأولى تحتاج لدخولها محفظة مثخنة بالمال والأخيرة لا تتطلب أحيانا إلا شهامة الأخوان !
كنت وعبدالله الجنيد فى شغف مجنون بمسلسل (زينب والعرش) بتاع (سهير رمزى) نقطع مذاكرتنا فى الثامنة مساء كل ليلة لنهرع إلى تلفزيون الكافتريا . وقد قادنا هذا الشغف عندما قطعت الكهرباء من الكافتريا ذات ليلة إلى كافتريا الأساتذة ، فطلبنا كوبين من عصير المنقة من باب اللياقة ولنصرف عنا الجرسون الذى يمم شطر مجلسنا ما أن قعدنا.
والحق يقال أننى لم استمتع بطعم المنقة ولم أفقه مما دار فى المسلسل شيئا ، فبعد أن رأيت الجميع من حولنا (يحاسبون) الجرسون بأوراق نقدية كبيرة دخل فى روعى ان ما لدينا من نقود لن يكفى وسنحرج غاية الحرج .
جمعنا ما لدينا من مال وتشجع (جندى) فذهب وسال عن الحساب ، وماهى إلا لحظات حتى جاءنى من هناك متهلل الاسارير مشيرا بعلامة النصر فتنفست الصعداء . ولم نعقب بعدها لذلك المكان إلا من بعد أن أصبح مكتبا للعميد . دفعنا ألف جنيه ثمنا لكوب المنقة الواحد عندما كان ذات الكوب يساوى 250 جنيه أو نحوها فى الكافتريا !
وإن أنس لا أنس (رقعة معاوية) ، فهى خيارنا إن كنا مستعجلين ، نأكل فيها فول وكبدة وبيض عمك الضى ، ومنها خرجت أول شرارة ضد القبول الموازى عندما أحضر (عزو) الجريدة التى حوت الخبر ونحن متحلقين حول صحن فول هناك ـ فقمنا من فورنا للقاعات فأغلقناها وللداخلية فإرتجلنا مخاطبة وأعلنا إعتصاما فى اليوم التالى مما ذكرته بالتفصيل فى أولاد شلتنا .
سأعود أن بقى فى العمر بقية إالى العاملين وخشافها ، (أبو العباس) وفوله وربما كوراعه . فالأمر ليس مجرد طعام ، وإنما إجترار لذاكرة أيام تنوى أن تدفع كل ما لديك لكى تعود.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
يديك العافية يا دكتور عزان اثرت فيناشجون وذكريات جميلة.
ردحذف